الأحكام المسبقة في مقابلات العمل- خطر إهدار الكفاءات
المؤلف: سامي الدجوي08.25.2025

تفوقت دانية في دراستها الجامعية، وحصلت على شهادة في اللغة الإنجليزية من جامعة سعودية مرموقة. وفي اللحظة التي وطأت فيها قدماها غرفة المقابلة في إحدى الشركات الكبرى، ارتسم في أذهان مدير إدارة الترجمة وأعضاء لجنة التوظيف انطباع بأنها تفتقر إلى السمات القيادية. ولم يمضِ وقت طويل، أقل من خمس دقائق، حتى اتخذ قرار برفض طلب توظيفها. ولكن، بعد مضي نحو أربعة عشر شهراً على تلك المقابلة، تبوأت دانية منصب رئيسة قسم الترجمة في شركة منافسة ورائدة، وحققت نجاحات باهرة في قيادة فريقها. ترى، هل كان قرار مدير إدارة الترجمة في الشركة الكبرى صائباً من وجهة نظرك؟
قد يتبادر إلى ذهنك، عزيزي القارئ، أن قرار الرفض كان خاطئاً ومتهوراً، خاصة بعد معرفتك بنجاحها اللاحق كرئيسة قسم الترجمة في شركة منافسة. لكن، لنتوقف قليلاً عند لحظة المقابلة الأولى. تخيل أنك مدير إدارة الترجمة، وقد تقدمت إليكِ شابة سعودية حديثة التخرج، مفعمة بالحيوية والشغف بالتعلم والتطور، ولكنها تفتقر إلى الخبرة الكافية في مجال العمل، وربما لم تحظَ بفرص ممارسة جيدة في المقابلات الوظيفية. في هذه الحالة، من غير المنطقي على الإطلاق تقييم مهاراتها القيادية أو إصدار حكم قاطع بشأنها بناءً على مقابلة واحدة فقط. فلماذا يميل بعض المديرين إلى إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين بهذه السرعة؟
يجيب على هذا التساؤل الدكتور ألكسندر تودوروف، الأستاذ المرموق في علم الإدراك الاجتماعي، موضحاً أن معظم الأشخاص يكوّنون انطباعات سريعة عن الآخرين في غضون 30 ثانية فقط من اللقاء الأول. قد تثير هذه الحقيقة العلمية الصادمة وغير المنصفة –عزيزي القارئ، أختي القارئة– بعض التساؤلات الهامة، وعلى رأسها: ما هي المخاطر المترتبة على الحكم المسبق على الآخرين استناداً إلى اللقاء الأول؟
وجب التوضيح أن إصدار الأحكام السريعة على الآخرين هو سلوك بشري فطري، ترسخ لدى الكثيرين منا منذ الطفولة، واعتبرناه عن طريق الخطأ سلوكاً صائباً، أو توهمنا أننا نمتلك قدرة خارقة على تقييم الأشخاص بمجرد النظرة الأولى. إضافة إلى ذلك، فإن إصدار الأحكام لا يتطلب بذل مجهود ذهني كبير أو تفكير عميق، بل يعتمد بشكل أساسي على بعض المعلومات السطحية المخزنة في أذهاننا، وبعض الاستنتاجات الظاهرة أمامنا. أما بالنسبة لمخاطر إصدار الأحكام المسبقة على الآخرين بناءً على الانطباع الأول في بيئات العمل، فهي تتجلى في عدة جوانب. أولاً، تؤثر سلباً على جودة القرارات المتخذة، لا سيما قرارات التوظيف والترقية والتقييم. هذا الأمر قد يعيق المدير عن اتخاذ قرارات موضوعية أو حتى صحيحة. ثانياً، تعيق فرص التواصل الفعال مع الطرف الآخر وتعيق بناء الثقة المتبادلة. فعندما تصدر أحكاماً على شخص ما في أول لقاء استناداً إلى مظهره أو طريقة حديثه، فإنك تتجاهل جوانب أخرى قيّمة فيه، مثل الرغبة في التعلم والتطور، والالتزام بالقيم والسلوكيات الإيجابية، والذكاء العاطفي والاجتماعي، وهي جميعاً من أهم الصفات التي يجب أخذها في الاعتبار.
وخلاصة القول، فإن الحكم المتسرع على الآخرين من خلال مقابلة شخصية واحدة قد يحرم مؤسساتنا من الكفاءات المناسبة. وعلى الرغم من أنه سلوك بشري طبيعي، وأننا نميل إلى الحكم على الآخرين بمجرد النظرة الأولى، وأننا قد لا نرغب ببذل مجهود كبير في تحليل الشخص الآخر قبل إصدار الحكم عليه، إلا أنه يجب علينا أن نتحكم في هذا السلوك لأنه يؤثر تأثيراً سلبياً على قراراتنا ويحول دون بناء الثقة مع الآخرين. وأخيراً، فإن التسرع في الحكم قد يحرم وطننا من قادة متميزين. لذا، فلنمنح الكفاءات الوطنية الفرصة لإظهار قدراتها.